مدونة الفلاحية
إذا أردت أن تغادر وطنك يوما ما لأي سبب كان فأمكث و إفتح عينيك للحظة، إنظر إلى الأرض التي إحتوتك، تذكر إنك واقف على تربة مقدسة لوثتها حوافر العجمان منذ تسعون عام.
واقف على إحدى أقدم الحضارات العالمية و التي تكاد أن تمحى بيد الطغاة. واقف على أرض ملئت بثروات تمتصها عروق المستوطنين و الأغرباء الحاقدين و هم يريدون إخافتك و يتمنون رحيلك. فهل تحقق أمنيتهم؟
ثم أخرج من بيتك و تجول بعين البصيرة في الشوارع؛ ستجد في جانب من الشارع إحدى أمهاتنا و هي تبيع بسطة الأوجاع و ثلة الألم لتكسو عائلتها. سترى طفلا يبحث بين القمامة أمنية ضائعة و طفلة تبكي على أحلام طفولتها التي قمعها عدوك و عدوها. و في الجانب الآخر من الشارع سترى يونس و هو يشتعل غضبا على ما أخذوه منه من حق الحياة. فهل أنت أهم من هؤلاء؟
ثم ألق نظرة على معالم تأريخك؛ أنظر لتلك القصور التي كانت مشيدة لتظهر مجد بلدك العربي في العالم قديما و هي الآن تهدم بكل بساطة و أوراق تأريخك تتمزق و حبرها يمحى و أنت الوارث الوحيد لهذه الأمجاد. فهل تهاجر و تتخلى عن تأريخك العريق ليطفو على سطح الهوان و التزوير في ليلة و ضحاها؟
ثم سِر نحو كارون العروبة؛ نهرا كان يسقيك و يرزقك من شرائينه و ها هو اليوم يلتقط آخر أنفاسه. فكيف تتخلى عنه و أنت آخر من تبقى له؟
و أخيرا تذكر الشهداء الأبرار و الأسرى الأحرار؛ هم الذين ضحوا بكل غال و نفيس في عنفوان شبابهم من أجل الحرية لكي نسلك منهجهم المجيد المخلد.
فراجع ضميرك متسائلا:
هل نفسي أغلى من نفوس الشهداء؟
و راحتي أهم من راحة الفقراء ؟
و حياتي أهم من حياة وطني الذي منحني المجد و العلى؟
فأي ضمير هذا الضمير إذا لم يمنعك من الرحيل و لايحثك على الصمود و البقاء؟ و كيف لك أن تتهنأ في المهجر و أسياط الاجنبي على رأس أبناء جلدتك بكل عناء؟
و كيف لك بالراحة في المهجر و وطنك لن يسامح خطيئتك بالتخلي عنه من أجل الرخاء؟
و عندما ترحل بحثا عن الرفاهية و الحياة المغرية أو بهدف إنقاذ نفسك من الظالم فلاتلم من يصفك بالجبن المبرر.
فأجلد ذاتك و أبقِ و إعلم أنك لست واحدا؛ بل صوت شعب و سند أمة و ستخلف لاحقا جيلا واعيا عربيا يسير على خير الدروب و أنت و جيلك ستمنعون دخول ألف مستوطن.
و إن راجعت ضميرك و حثك على إيفاء العهد لوطنك فأعلم إنك شجاع عاشق هائم لأرضك. و العاشق الحقيقي يحتفظ بحبيبته ليس في قلبه فقط بل يحتفظ بها على أرض الواقع و يكافح و يضحي من أجلها و يجعلها بين يديه و نصب عينيه، يصبح و يمسي بها و يغدو و يروح لها فداءا. فكيف يتخلى عنها حين يدعي بحبها؟!
و جميعنا نعلم أن الوطنية الحقيقية ليست حب الوطن بالأقوال فحسب؛ بل الوطنية نضال و هذا النضال يتمثل في الصمود و التضحية و الثورة و الغضب.
فمن كان غير هذا فليس بعاشق للوطن إنما في قلبه بعض من المودة.
فتعال إذن أيها العربي، لنجسد العشق بأفعالنا و نغرس الوطنية الحقيقية في نفوسنا، لنبقى هنا، لنشد أيادينا و نتكاتف، لنتحمل كل مشاكل الحياة و المآسي و الضيق و نقوم بواجبنا من أجل اعلاء كلمة الحق.
لن نتخلى عن أرضنا و أمنا و حبيبتنا لكي يعثى فيها الطغاة فسادا. نحن منها و هي لنا و منذ يوم ولادتنا قطعنا عهدا معها بالبقاء و الوفاء إليها و بالحفاظ عليها.
فها هي أروحنا فداء لهذه الأرض و لإسمها.
و يقال أن "للحرية بابٌ بكل يد مضرجة بالدم يدق"؛ فلنتذكر أن أبواب الحرية ليست في المهجر، بل هنا تلوح في سماء هذا الوطن، على قاب قوسين من الشجاعة و العزيمة و التحمل؛ فلندقها و نفلح.
عاجل